لم أخش على نفسي من أن أتطلع إلى نعمة يمتلكها غيري وإفتقدها إلا من نعمة واحدة، ولكن هيهات هيهات فما مضى لن يرجع أبدا ومن ذهب فلن يعود .
فلقد عشت عمري كله متمتعا بها دون أن أدرك أنها من أفضل نعم الله علي بعد ديني.
فكلما أراك وارى غيرك، لديكم أما باقية على قيد الحياة، فاسأل الله أولا أن يحفظها لك ويمتعك بها وبوجودها في حياتك، ولكني أغبطك على هذه النعمة -وأعلم أن الغبطة حينها لا تتحقق كل أركانها- فأنت لا تستطيع حتى الآن مهما فعلت أن تشعر بقيمتها، ومهما تحدثت عن برها وعن حقها لا يمكنك إطلاقا أن تشعر أو تعبر عن قيمة وحقيقة وجودها في حياتك.
فأريد أن أهتف بك بل أصيح فيك فربما لا تدرك آلامي الآن، أريد أن استحثك أن تلزم قدميها وتقترب منها وتجالسها وتمازحها وتستمع إليها بكل حواسك، قكل لحظة معها تعدل عمرا كاملا، وكل الناس بعدها سواء وكل النساء بعدها عدم.
¤ صديقي الوفي وأنت أهل للوفاء:
لا يستطيع الإنسان أن يدرك ما أشعر به وما يشعر به من هو في مثل حالي إلا بعد أن يفقد هذه النعمة الغالية، فكل مجلس سوى مجلسها تجلسه لابد وأن يكون لك فيه حسابات، ماذا ستقول وماذا ستفعل؟، فليس كل ما تود قوله يصلح وليس كل فعل منك يقبل، وكلما كبرت سنك وعظم مركزك كلما كانت قيودك أعظم إلا في مجلسها، فيه تطمئن نفسك وتستعيد معنى طفولتك المفقود الذي لا يمكن ان تظهر عليه أمام احد من الناس، قد تخفي دموعك عن الدنيا كلها بينما يمكنها ان تنهمر وأنت في صدرها حينما تأخذك في أحضانها.
فمهما كبرت في السن أو إرتقيت في المقام فلن تعدو أمامها سوى طفلها الصغير، تقبل كل كلماتك فلا تتحرج من قول ما تريد أمامها، تتفهم كل أفعالك وتعذرك دون أن تسألك المبرر، يكفيك منها نظرة لتخرج لها كل ما في جعبتك من الهموم، لا تكبر في عينها بسنك ولا بمالك ولا بمركزك، بل كل مؤهلك عندها لم تكتسبه بنفسك بل ما منحته هي لك وهو أنك إبنها.
كل أو معظم الناس يريدك لما تملكه أنت إلا هي لا تريدك لما تملكه بل تريدك أنت كما أنت مهما يكن أمرك، رؤيتك تقر عينها زيارتك تسعدها كلمتك ترفعها إلى عنان السماء برك بها يطمئن قلبها وألمك تشعر به قبلك فتسألك وقد لا تود أنت أن تخبرها كي لا تتألم لألمك فتجدها تستنطقك لا لفضول ولا لتطفل ولكن لكي تطفئ هواجس وظنون نفسها التي تتلاعب بها وتقلق راحتها وتقض مضجعها وتحرمها المنام والتي تتصاعد دوما ولا تهدأ إلا عندما تعلم بحجم ألمك الحقيقي.
فهل لك يا صاحبي أن تدرك حجم النغمة التي بين يديك والتي انعم الله بها عليك؟
إستمتع بأمك حفظها الله لك وحفظ الله أمهات المسلمين ورزقهم برهن والتمتع بهن قبل أن ينادي أحدهم بدمع عينه مثل ندائي.. أمي كم إفتقدك.
الكاتب: يحيى البوليني.
المصدر: موقع المسلم.